فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} الهمزة للاستفهام التقريري والفاء استئنافية ومن موصولية مبتدأ خبره محذوف تقديره كغيره أو كمن ليس كذلك وجواب الاستفهام محذوف أيضا تقديره: لا يستويان وكان فعل ماض ناقص واسمها مستتر يعود على من وعلى بينة خبرها ومن ربه صفة لبينة.
{وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ} الواو عاطفة ويتلوه شاهد فعل مضارع ومفعول به وفاعل ومنه صفة لشاهد.
{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِمامًا وَرَحْمَةً} الواو عاطفة أيضا ومن قبله حال من كتاب موسى المعطوف على شاهد عطف المفردات، هذا ما أعربه معظم المفسرين وأرى أن الحق مع البيضاوي الذي أعرب من قبله جارا ومجرورا متعلقين بمحذوف خبر مقدم وكتاب موسى مبتدأ مؤخرا ففي هذا الاعراب سلامة من المعاظلة الناشئة عن الفصل بين حرف العطف والمعطوف عليه وإماما حال من كتاب موسى ورحمة عطف على إماما.
{أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} أولئك مبتدأ وجملة يؤمنون به خبر.
{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} الواو عاطفة ومن شرطية مبتدأ ويكفر فعل الشرط وبه متعلقان بيكفر ومن الأحزاب حال والفاء رابطة والنار مبتدأ وموعده خبر والجملة الاسمية جواب الشرط. وفي جعل النار موعدا إشعار بأن فيها ما لا يحيط به الوصف من أفانين العذاب، وقد تعلق حسان بأهداب هذا التعبير فقال:
أوردتموها حياض الموت ضاحية ** فالنار موعدها والموت لا قيها

{فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} الفاء الفصيحة ولا ناهية وتك فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون المقدرة على النون المحذوفة للتخفيف واسم تك مستتر تقديره أنت وفي مرية خبر ومنه صفة لمرية {إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ}
إن واسمها والحق خبرها ومن ربك متعلقان بمحذوف حال والواو حالية ولكن واسمها والناس مضاف اليه وجملة لا يؤمنون خبر لكن.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لذكر أوصافهم الأربعة عشر والتي أولها افتراء الكذب وآخرها كونهم في الآخرة أخسر من غيرهم، ومن استفهامية مبتدأ والاستفهام هنا معناه النفي أي لا أحد أظلم وممن متعلقان بأظلم وجملة افترى صلة وعلى اللّه متعلقان بافترى وكذبا مفعول به.
{أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ} أولئك مبتدأ وجملة يعرضون خبره والواو نائب فاعل وعلى ربهم متعلقان بيعرضون.
{وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ويقول عطف على يعرضون والأشهاد فاعل وهؤلاء مبتدأ والذين خبره وجملة كذبوا على ربهم صلة الموصول وألا أداة تنبيه ولعنة اللّه مبتدأ وعلى الظالمين خبر.
{الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجًا} الذين بدل من الظالمين وجملة يصدون صلة وعن سبيل اللّه متعلقان بيصدون ويبغونها عطف على يصدون وهو فعل وفاعل ومفعول وعوجا حال أي معوجة.
{وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ} الواو عاطفة وهم مبتدأ وبالآخرة متعلقان بكافرون وهم الثانية تأكيد لهم الأولى وكافرون خبر هم الأولى.
{أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} أولئك مبتدأ وجملة لم يكونوا خبر ومعجزين خبر يكونوا وفي الأرض حال أي أنهم لا يخرجون عن قبضته على كل حال.
{وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ} الواو عاطفة وما نافية وكان فعل ماض ناقص ولهم خبر كان المقدم ومن دون اللّه حال ومن حرف جر زائد وأولياء اسم كان محلا.
{يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ} يضاعف فعل مضارع مبني للمجهول ولهم متعلقان به والعذاب نائب فاعل والجملة مستأنفة، وما نافية وكانوا كان واسمها وجملة يستطيعون السمع خبر كان والسمع مفعول به وجملة ما كانوا يستطيعون السمع تعليل لمضاعفة العذاب وجملة وما كانوا يبصرون عطف على ما كانوا يستطيعون السمع وسيرد في باب البلاغة معنى هذا الكلام.
{أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ} أولئك مبتدأ والذين خبر وجملة خسروا أنفسهم صلة وضل عنهم عطف وما فاعل ضل وجملة كانوا يفترون صلة {لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} لا نافية وجرم فعل ماض وأنهم: أن وما في حيزها في محل رفع فاعل جرم وقد تمشينا على مذهب سيبويه والخليل وانظر باب اللغة وفي الآخرة حال وهم ضمير فصل أو مبتدأ والأخسرون خبر أن أو خبرهم والجملة خبر أن، وقد تقدمت لضمير الفصل نظائر.

.البلاغة:

في قوله تعالى: {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} تشبيه تمثيلي لأنه تشبيه مركب بمركب شبههم في فرط تصامهم عن استماع الحق ونبو أسماعهم عنه بمن لا يستطيع السمع وذلك لوجوه عديدة:
أولها: يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع فلا يسمعون وبما كانوا يستطيعون الابصار فلا يبصرون عنادا واصرارا منهم على الخطل والصدوف عن الحق وهذا يقضي أن تكون ما مصدرية والمصدر المؤول منصوب بنزع الخافض وهو الباء على حد قول الشاعر:
نغالي اللحم للأضياف نيا ** وتبذله إذا نضج القدور

أراد نغالي باللحم وقد ذهب إلى هذا المذهب الفراء.
وثانيها: انه لاستثقالهم استماع آيات اللّه وكراهتهم تذكرها وتفهمها جروا مجرى من لا يستطيع السمع وان أبصارهم لم تنفعهم مع اعراضهم عن نذر الآيات فكأنهم لم يبصروا. ومما يجري هذا المجرى قول الأعشى في مطلع معلقته:
ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل ** وهل تطيق وداعا أيّها الرّجل

ومن المعلوم أن الأعشى كان يقدر على الوداع وإنما نفى الطاقة عن نفسه من حيث الكراهية والاستثقال.
وثالثها- ان ما هنا ظرفية مصدرية تجري مجرى سأذكرك ما حييت والمعنى أنهم معذبون ما داموا أحياء.

.[سورة هود: الآيات 23- 24]

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24)}

.اللغة:

{أَخْبَتُوا} سكنوا واطمأنوا وأنابوا، والإخبات الطمأنينة وأصله الاستواء من الخبت وهو الأرض المطمئنة المستوية الواسعة فكأن الإخبات خشوع مستمر على استواء فيه وهو يتعدى بالى وباللام فإذا قلت أخبت فلان إلى كذا فمعناه اطمأن اليه وإذا قلت أخبت له فمعناه خشع وخضع. وللخاء والباء فاء وعينا للكلمة خاصة غريبة إذ أن الكلمة تدل على معنى التغطية والستر والخفاء أو ما هو قريب من ذلك أو بيت إليه بصلة، فقولهم خبأ الشيء ستره وأخفاه وله خبيئة خبأها ليوم حاجة ومن أمثالهم لا مخبأ لعطر بعد عروس والله يخرج الخبء وخبّات الجارية وجارية مخبّاة ونساء مخبآت وخبّ الرجل نزل المنهبط من الأرض ليجهل منزله وخبّ الفرس خبا وخبيبا راوح في عدوه بين يديه ورجليه، والخب بكسر الخاء الخداع وهو إخفاء المكر وفي حديث عمر بن الخطاب ما تكلم أحد بالفارسية إلا خبّ وما خبّ إلا ذهبت مروءته وخبث فلان ضد طاب والخبيث يضمر خلاف ما يظهر وخبر الشيء علمه عن تجربة أي نفذ إلى دخائله واستوضحها، وخبز الخبز معروف وإيداعه إلى اخفائه فيه، واختبس الشيء تناوله وغنمه، وخبش الأشياء جمعها من هاهنا وهاهنا. وخبص الشيء بالشيء خلطه به، وخبط البعير بيده الأرض، وبات يختبط الظلماء وهو خابط عشوة للجاهل، وخبع في المكان دخل فيه ويقال جارية خبعة طلعة أي تخبأ نفسها مرة وتبديها مرة.
وخبله أفسده أو أفسد عقله وفساد العقل ذهابه قال:
أرى المال أفياء الظلال فتارة ** يؤوب وأخرى يخبل المال خابله

وخبن الثوب عطفه وخاطه، وخبن الشاعر أتى بالخبن في شعره وهو حذف ثاني الجزء ساكنا وخبت النار خمدت وسكنت واستخبأ الخباء دخله ولو شئنا أن نستقيض في النقل من هذه المادة لأريناك العجب العجب وحسبك من القلادة ما أحاط بالجيد.

.الإعراب:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ} إن واسمها وجملة آمنوا صلة وجملة وعملوا الصالحات عطف على آمنوا وكذلك جملة وأخبتوا إلى ربهم.
{أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} أولئك مبتدأ وأصحاب الجنة خبر وهم مبتدأ وفيها متعلقان بخالدون وخالدون خبر هم وجملة أولئك أصحاب الجنة خبر إن وجملة هم فيها خالدون خبر ثان لان {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ} مثل مبتدأ والفريقين مضاف اليه وكالاعمى خبر أو الكاف اسم بمعنى مثل خبر وما بعده عطف عليه.
{هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ} هل استفهام معناه النفي ويستويان فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ومثلا تمييز محول عن الفاعل والأصل هل يستوي مثلهم، أفلا تذكرون: الاستفهام للانكار والتوبيخ.

.البلاغة:

في قوله تعالى: {مثل الفريقين..} إلخ تشبيه تمثيلي أي مثل فريق المسلمين كالبصير والسميع ومثل فريق الكافرين كالأعمى والأصم وقد زادت الآية على جميع أمثلة التشبيه التمثيلي كقول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ** لدى وكرها العناب والحشف البالي

وقول بشار:
كأن مثار النقع فوق رءوسنا ** وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

ففي البيت الاول تشبيه قلوب الطير الرطبة بالعناب وتشبيه قلوب الطير اليابسة بالحشف البالي وفي البيت الثاني تشبيه الغبار القاتم والسيوف الملتمعة فيه بالليل الذي تنقض فيه الشهب والكواكب.
أما الآية فقد زادت بتشبيه اثنين بأربعة كما هو واضح فقد شبهت كل واحد من الكافر والمؤمن تشبيهين.
هذا ولو جاءت الآية على وجه الطباق خلاف نظمها بأن يقال: كالأعمى والبصير والأصم والسميع لفسد المعنى وان حصل الطباق في اللفظ لأنه سبحانه قسم المشبه به إلى قسمين كالمشبه لأنه قسمان مبتلى ومعافى وضاد بينهما ليصح السؤال بينهما على قصد التوبيخ.

.[سورة هود: الآيات 25- 28]

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَرًا مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28)}

.اللغة:

{أَراذِلُنا} أسافلنا وفيه وجهان أحدهما أنه جمع الجمع فهو جمع أرذل بضم الذال جمع رذل بسكونها ككلب وأكلب وأكالب وثانيهما أنه جمع مفرد وهو أرذل كأكبر وأكابر وأبطح وأباطح وأبرق وأبارق والأرذل المرغوب عنه لرداءته، واختار الزمخشري الوجه الثاني ورجحه صاحب القاموس.
{بادِيَ الرَّأْيِ} ظاهر الرأي وقد يهمز فيقال بادئ الرأي فمن لم يهمز أراد: أنت فيما بدا من الرأي، ومن همز أراد: أنت أول الرأي ومبتداه، ولأبي علي بحث طريف في هذا التعبير ننقله بنصه لفائدته: المعنى فيمن قال بادي الرأي بلا همز فجعله من بدا إذا ظهر أي ما اتبعك إلا الأراذل فيما ظهر لهم من الرأي إن لم يتعقبوه بنظر فيه وروية، وهاتان الكلمتان تتقاربان في المعنى لأن الهمزة في اللام معناها ابتداء الشيء وأوله واللام إذا كانت واوا كان المعنى الظهور، وابتداء الشيء يكون ظهورا فلذلك يستعمل كل منهما مكان الآخر وجاز في اسم الفاعل أن يكون ظرفا كما جاز في فعيل نحو قريب ومليء لأن فاعلا وفعيلا يتعاقبان على المعنى نحو عالم وعليم وشاهد وشهيد وحسن ذلك إضافته إلى الرأي وقد أجروا المصدر أيضا في إضافته اليه في قولهم اما جهد رأيي فإني منطلق فهذا لا يكون إلا ظرفا إلى آخر هذا البحث الممتع وسيرد المزيد في الاعراب.
{الرَّأْيِ}: مصدر رأى رأيا ويجمع على آراء والرأي هو التفكر في مبادئ الأمور والنظر في عواقبها والعلم بما تئول اليه من الخطأ والصواب، وأصحاب الرأي عند الفقهاء هم أصحاب القياس والتأويل وقد أجمع الشعراء على امتداح الرأي فقال أبو فراس الحمداني:
ولا أرضى الفتى ما لم يكمل ** برأي الكهل أقدام الغلام

وقال أبو الطيب المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ** هو أول وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس حرة ** بلغت من العلياء كل مكان